إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

أَقْوَالُ العُلَمَاءِ فِي مَسَافَةِ القَصْر
 
قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ (يَجُوزُ الفِطْرُ مِنَ الصَّوْمِ وَقَصْرُ الصّلَاةِ لِمَسَافَةِ بَرِيدٍ (أي نِصْف يَوْم) وَذَلِكَ نَحْوُ عِشْرِينَ كِيلُومِتر).
 
رَوَى ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ نَعَمْ.
 
ونَقُول: مَسِيرَةُ اليَوْم = 2 بريد = 8 فراسخ = 24 ميلا = 43.2 كيلومتر تَقْرِيبًا.
 
وقَدِ تَعَدَّدَتْ أَقْوَالُ العُلَمَاءِ فِي مَسَافَةِ القَصْرِ حَتَّى ذَكَرَ ابْنُ المُنْذِرِ مِنْهَا نَحْو عِشْرِينَ قَوْلاً مِنْهَا:
 
أ‌. قَوْلٌ بِأَنَّ القَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مَسِيْرَةِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَي مَا يُقَارِبُ 130 كِيلُومِتر، وَهُو مَرْوِيٌّ عَن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وَسُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والشَّعْبِيِّ، والنَّخَعَيِّ، وسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِم.
 
ب‌. قَوْلٌ بِأَنَّ القَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مَسِيْرَةِ يَوْمَيْنِ أَيْ مَا يُقَارِبُ 87 كِيلُومِتْر، وَهُو مَرْوِيٌّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، وابْنِ عُمَرَ، والحَسَنِ البِصْرِيِّ، والزُّهْرِيِّ، واللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ، وأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِم.
 
ج‌. قَوْلٌ بِأَنَّ القَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مَسَافَةِ يَوْمٍ تَامٍّ لَا مَسِيْرَةِ يَوْمَيْنِ، وَوَجْهُ دِلَالَةِ أَصْحَابِ هَذَا القَوْلِ مُخْتَلِفٌ عَنِ اسْتِدْلَالِ أَهْلِ القَوْلِ السَّابِقِ لَكِنَّ المَسَافَةَ هِيَ نَفْسُهَا أَيْ مَا يُقَارِبُ 87 كِيلُومِتر، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَن ابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ، والحَسَنِ البِصْرِيِّ، والزُّهْرِيِّ، واللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وأَحْمَدَ، والأَوْزَاعِيِّ، وإِسْحَاقَ، وابنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وابنِ المُنْذِرِ، والبُخَارِيِّ وغَيْرِهِم.
 
د‌. قَوْلٌ بِأَنَّ القَصْرَ يَجُوزُ فِي أَيِّ سَفَرٍ أَكْثَرَ مِن ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ أَيْ قَرِيبٍ مِن 20 كِيلُومِتر، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وشُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ، وابنِ عُمَرَ، وسَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ وَغَيْرِهِم.
 
وسَنَذْكُرُ فِيمَا بَعْدُ فِي فَوَائِدِ القَصْرِ والإِتْمَامِ اخْتِلَافَ العُلَمَاءِ فِي مَتَى يَبْدَأُ المُسَافِرُ الذِي يُبَاحُ لَهُ القَصْرُ بالتَّقْصِيرِ ومُدَّتِهِ.
 
واللهُ أَعْلَمُ.