تجبُ التوبةُ من الذنوبِ كُلّها صغيرِها وكبيرِها فورًا على كلّ مُكَلَّفٍ وهى النَّدَمُ والإقلاعُ والعزمُ على أن لا يعودَ إليْهَا وإن كانَ الذنبُ تركَ فرضٍ قضاهُ أو تَبِعَةً لآدمىّ قَضَاهُ أو اسْتَرْضَاهُ.
التَّوْبَة لَهَا أَرْكَانٌ فَالرُّكْنُ الَّذِي لا بُدَّ مِنْهُ فِي النَّوْعَيْنِ أَيْ نَوْعِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لا تَعَلُّقَ لَهَا بِحُقُوقِ بَنِي ءَادَمَ أَيْ تَبِعَتِهِمْ وَلا هِيَ بِتَرْكِ فَرْضٍ وَالنَّوْعِ الَّذِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِحُقُوقِ بَنِي ءَادَمَ النَّدَمُ أَسَفًا عَلَى تَرْكِ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ، فَالنَّدَمُ لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ كَعَارٍ أَوْ ضَيَاعِ مَالٍ أَوْ تَعَبِ بَدَنٍ أَوْ لِكَوْنِ مَقْتُولِهِ وَلَدَهُ لا يُعْتَبَرُ، فَالنَّدَمُ وَهُوَ الرُّكْنُ الأَعْظَمُ لأِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لَهُ.
وَالأَمْرُ الثَّانِي: الإِقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ.
وَالأَمْرُ الثَّالِثُ: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ هِيَ التَّوْبَةُ الْمُجْزِئَةُ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِتَرْكِ فَرْضٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَيُزَادُ فِيهَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْفَرْضِ، فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلاةً أَوْ نَحْوَهَا قَضَاهُ فَوْرًا وَإِنْ كَانَ تَرَكَ نَحْوَ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ مَعَ الإِمْكَانِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ عَلَى إِيصَالِهِ لِمُسْتَحِقِّيهِ أَيْ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةََ وَالْكَفَّارَةَ وَيَفِي بِالنَّذْرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَبِعَةً لآِدَمِيٍّ رَدَّ تِلْكَ الْمَظْلَمَةَ فَيَرُدُّ عَيْنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلاَّ فَبَدَلَهُ لِمَالِكِهِ أَوْ نَائِبِ الْمَالِكِ أَوْ لِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ دَفَعَهُ إِلَى الإِمَامِ لِيَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِحَاكِمٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِمَالِ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ بِنِيَّةِ الْغَرْمِ إِنْ ظَهَرَ الْمُسْتَحِقُّ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ سَائِرُ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ بِشَرْطِهِ رَدَّهُ إِلَى أَمِينٍ مِنَ الصُّلَحَاءِ، فَإِنْ أَعْسَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ نَوَى الْغَرْمَ إِذَا قَدَرَ أَوِ اسْتَرْضَاهُ أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَتَصِحُّ لَوْ كَانَتِ الْبَرَاءَةُ مَجْهُولَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْمِحَهُ يَذْكُرُ لَهُ، فَيَقُولُ سَامِحْنِي مِنْ كَذَا وَكَذَا.