إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قَولُ الله تَعالى (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَاب) (الرعد 39)، بعضُ المُفَسِّرِين قالوا بَعضُ الآياتِ تُنْسَخُ، يُعْمَلُ بِهَا مُدّةً ثُمّ تُنْسَخُ، وبَعضُ المُفَسِّرِينَ قالوا الأَعمَالُ تُسَجَّلَ ثُمَّ يومَ الخَمِيسِ تُرْفَعُ فَتَثْبُتُ الحَسَنَاتُ والسَيِّئَاتُ وتُمْحَى المُبَاحَاتُ.
ليس مَعْنَاهُ الْمَحْوَ وَالإثْبَاتَ فِي تَقْدِيرِ اللهِ، وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَيْ أَنَّ اللهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَيْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءانِ فلا يَنْسَخُهُ، وَمَا يُبَدَّلُ وَمَا يُثْبَتُ كُلُّ ذَلِكَ في كِتَابٍ وَهَذَا في حَيَاةِ الرَّسُولِ، أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا نَسْخَ، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ في تأوِيلِ هَذِهِ الآيَة)، وأَمَّا قَولُهُ تعالى (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَمْحُوِّ وَالْمُثْبَتِ.
قال الربيع بن سليمان المرادي رحمه الله (مِن دعاء الشافعي رضي الله عنه المشهور بالإجابة اللَّهُمَّ يَا لَطيفُ أَسْأَلُكَ اللُّطْفَ فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ).