إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال الإمامُ ابن بَطَّالٍ (ت 449 هـ) في شرحه على صحيح البخاري ما نَصُّه (وقوله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (سورة فاطر آية 10) وما تَضَمَنَتْهُ أحاديثُ البابِ مِن هذا المعنى، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ في الرَدِّ عليهم (أي المشَبِّهةِ) وهو أنَّ الدلائِلَ الواضِحَةَ قد قامَت علَى أنَّ البارئَ تَعالى ليس بِجِسْمٍ ولا مُحْتاجًا إلى مَكَانٍ يَحُلُّهُ ويَسْتَقِرُّ فِيه) لأنه تعالى قد كانَ ولا مكانَ وهو على ما كانَ، ثم خَلَقَ المكانَ فمُحَالٌ كَوْنُه غَنِيًّا عن المكانِ قبل خَلْقِه إيّاهُ ثم يَحْتاجُ إليه بَعد خَلْقِهِ له، هذا مُسْتَحِيلٌ. هكذا أهل السنّة والجماعة يقولون، فلا عِبرةَ بقول الوهّابية بأنّ الله فوق العرش والكلامُ الطيّبُ يَصعدُ إليه، لأنّ قولهم هذا يخالف العقل والنصوص الشرعية.
ومعنى إليه يصعد الكلم الطيب أي إلى محلّ كرامته السماء هناك مكان يسجّل فيه الكلام الطيب (مثل لا إله إلا الله).
وقد زاد الإمام ابن بَطَّالٍ رحمه الله تعالى في البيان والإيضاح فقال (لا شُبْهَةَ لهم فى قوله تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر 10) لأنّ صُعودَ الكَلِمِ إلى الله تعالى لا يَقْتَضِي كَوْنَه في جِهَةِ العُلُوّ لأنّ البارئَ تَعالى لا تَحْوِيهِ جِهَةٌ، إذ كانَ مَوْجُودًا ولا جِهةَ). انتهى
ابن بطّال علي بن خلف البكري القرطبي المالكي الفقيه الـمُتوفّى 449 هجرية.