إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

قال الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} سورة الإسراء.
 
في هذه الآية الكريمة يأمرنا الله تعالى بالإحسان للوالدين، فالإحسان للوالدين فيه ثواب عظيم عند الله عز وجل. ونهانا الله عن إيذائهما حتى بالقول، فلا يقل ابن لأحد والديه أفٍّ. وأمرنا الله عز وجل أن نعاملهما بالحسنى، وأمرنا أن ندعو لهما، حتى قال العلماء: يجب الاستغفار مرة في العمر للوالدين المسلمين.
 
واعلموا أنه لا يجوز إيذاء الوالدين لا بالقول ولا بالفعل، لا الأذى الخفيف ولا الأذى الشديد. ويكون عاقًّا لوالديه من يؤذيهما أذًى شديدا، كأن يسبَّهما بغير حق أو يضربهما بغير حق.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ثَلَاثَةٌ لا يَدْخُلُوْن الْجَنَّة : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْه، وَالْدَّيُّوث، وَرَجُلَةُ الْنِّسَاء”، رواه ابن حِبَّان. أي لا يدخل هؤلاء الثلاثة الجنة مع الأولين إن لم يتوبوا، وأما إن تابوا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ”.
 
فينبغي على الولد أن يُحسن لوالديه ويتأدب معهما وفي حضرتهما حتى إذا كلّمهما أخفض صوته وكأنه يكلّم مَلِكًا من الملوك. فليذكر الولد أنهما صبرا عليه في الصغر وقاما بتربيته وألبساه وأطعماه وأحسنا إليه وحرساه وعلّماه وفعلا وفعلا، فماذا يفعل في المقابل؟ وهل جزاء الإحسان إلَّا الإحسان؟ وحتى لو لم يحسنا إليه في الصغر فليحسن هو إليهما ابتغاء مرضاة الله تعالى.
 
فمن كان مسيئًا إليهما فليسارع إلى التوبة واستسماحهما وليغيّر تصرفه هذا من الإساءَة إلى الإحسان، ومن كان عاقًا فليتدارك الأمر قبل فوات الأوان وليترك العقوق وليبرّهما.
 
اللهم اجعلنا من الذين يَبَرّون آباءَهم وأمهاتهم وتوفَّنا مسلمين صالحين.